-A +A
سعيد السريحي
من ذا الذي يمكن له أن يقف على تمثال «نهضة مصر» للنحات المصري محمود مختار، ثم لا يشعر بعظمة الأمة التي أنجبت هذا النحات، وروعة البلد الذي حافظ على هذا العمل الذي أصبح أثرا إنسانيا خالدا؟ ومن ذا الذي يقرأ قصيدة لأحمد شوقي أو رواية لنجيب محفوظ، أو يسمع لحنا لعبدالوهاب أو أغنية لعبدالحليم حافظ أو يشاهد فيلما سينمائيا ليوسف شاهين أو صلاح أبو سيف دون أن يتملكه الإحساس نفسه، فمثل تلك الأعمال الفنية العظيمة لا يمكن أن يقدمها إلا بلد عظيم وشعب عظيم كذلك.

ولنا بعد ذلك أن نقيس على تلك الأعمال أعمالا عظيمة مماثلة باتت تعد عناوين على نهضة الأمم والشعوب التي قدمتها، بل وباتت هي الأثر الخالد لأمم طواها التاريخ وبقيت أعمالها العظيمة شاهدة على ما كانت عليه، ولم يكن لنا أن ندرك عظمة الصين قديما لولا سورها العظيم، ولا ما بلغته أثينا من مجد لولا تماثيلها الشامخة، ولا روما لولا مدرجاتها، ولا مصر القديمة لولا أهراماتها.


كل ذلك من شأنه أن يحملنا على مراجعة ما ينبغي أن نعنيه حين نتحدث عن «الأعمال الوطنية»، فنصحح فهمنا لها، ذلك أن علينا أن نرتقي بالوطن عن أن يكون مضافا إلى كثير من الأعمال الهشة الضعيفة المرتجلة، التي تتذرع بالمناسبات الوطنية تارة وبترديد أسماء المدن وقادة الوطن وقيمه كي يتم تصنيفها أعمالا وطنية، علينا أن ندرك أن كل عمل فني رفيع هو عمل وطني بصرف النظر عن المناسبة التي تم تقديمه فيها، وبصرف النظر كذلك عن تعبيره المباشر عن الوطن أرضا وقيادة وشعبا.

العمل الذي يستحق أن ينسب للوطن هو العمل الفني الذي كلما رآه أو سمعه أحد اكتشف مضامينه الإنسانية العظيمة، واكتمال عناصره ثم هتف بعد ذلك: يا لروعة الأمة التي قدمته.

Suraihi@gmail.com